

ستيفين إل كارتر يكتب: اللحى تعود بعد تغييب دام عقوداً

نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس
لم يحدث أمر جلل حين أعلن فريق نيويورك يانكيز منذ أيام أنه لن يمنع لاعبيه من إطلاق اللحى. لكن التغيير في سياسة دامت نصف قرن قد يكون رمزاً لعصرنا الثقافي، لأن اللحى أصبحت تُعتبر لأول مرة منذ ما ينيف على قرن من علامات الطبقة الحاكمة. نعم أنا جاد فيما أقول.
ليس سبب ذلك أن جيه دي فانس أصبح حين أدى القسم أول نائب رئيس ملتحٍ منذ 1909. إذ أن اللحية، التي كانت تُعامل طيلة حياتي، كأنما هي مرادف لغرابة الشخصية، باتت رائجة من جديد. حتى أن الأمير ويليام انضم إلى أصحاب اللحى، ويخشى البعض أن يكون هذا من قبيل الحنين إلى الذكورية المثالية المفقودة، أو ربما، كما قال الشريك في الإدارة العامة لفريق يانكيز هال شتاينبرينر، أن هذا الجيل يعتقد أن اللحية جزء من تفرده.
أياً كان الحال، لو مشى المرء في شوارع وسط مانهاتن على سبيل المثال، فسيرى الملتحين يدخلون ويخرجون من أبراج المكاتب في مشهد كان لا يمكن تصوره قبل جيل واحد فقط.
كان يُنظر لأصحاب اللحى بتشكك لأمد طويل من التاريخ الحديث. خلال القرن التاسع عشر، ربطت الممالك الأوروبية اللحى بالثوريين الخطيرين، ويخبرنا المؤرخون أن ماركس وإنغلز كانا يطلقان لحيتيهما الكثيفتين، على الأقل جزئياً كرمز لرفضهما أخلاق الطبقة المتوسطة.
وفي الولايات المتحدة، كانت اللحية غالباً ما تُعَد رمزاً لحركة إلغاء العبودية. وكان جون براون ملتحياً، وكذلك جون سي. فريمونت، الجمهوري المناهض للعبودية الذي خسر الانتخابات الرئاسية في 1856. ولم يطلق أبراهام لينكولن لحيته إلا بعد انتخابه في 1860، لكنها كانت مكتملة بحلول الوقت الذي أدى فيه اليمين الدستورية، وهو ما شكل دليلاً آخر لدى أهل الجنوب على التهديد الذي شكله على أسلوب حياتهم.
لكن بمجرد أن أدى الرئيس السادس عشر اليمين، اكتسبت هذه الموضة زخماً بين زعماء الأمة حتى أن غور فيدال قال: “بدأنا نرى كل أنواع الزوائد الغريبة على وجوه الساسة". ونشرت الصحف الجمهورية إعلانات عن خلطات تساعد على نمو اللحى للراغبين بها. حتى أن كتاب المقالات انخرطوا في هذا العمل، فأشادوا بـ "التأثير السحري" لمن يرغبون بإطلاق لحاهم أو شواربهم. وسرعان ما جعل الفيكتوريون إطلاق اللحى مستساغاً، حتى بين النخبويين. وكتب الأطباء مقالات علمية تؤكد أن اللحى مفيدة لصحة الذكور.
في أوائل القرن العشرين، تحركت الثقافة في الاتجاه الآخر. وفجأة، باتت اللحى مستنكرةً من جديد. وعزا كثير من الكتاب هذا التحول إلى ظهور ماكينة الحلاقة الآمنة، التي حصلت على براءة اختراع في 1904. لكن المؤرخ كريستوفر أولدستون مور، في كتاب صدر عام 2017 بعنوان "اللحى والرجال: كشف تاريخ شعر الوجه"، يزعم أن القصة التي تُروى عادة تخلط بين السبب والنتيجة: فقد انتشر الاختراع الجديد لأن شعبية الشوارب كانت تتلاشى.
ربط أولدستون مور بين تراجع إطلاق اللحى وصعود التوسع المدني وحضارة الشركات. فأصبح الوجه الحليق وسيلة يمكن للرجال من خلالها "إظهار فضائل القرن الجديد: الشباب والطاقة والنظافة والموثوقية".
بحلول 1976، عندما أمر مالك فريق يانكيز جورج شتاينبرينر لاعبيه بحفّ اللحى، كان نفور الأمة منها شاملاً. وعاد الذقن الأشعث ليصبح رمزاً للتطرف، أو حتى الانتماء لما كان يسمى الثقافة المضادة. كان فيدل كاسترو ملتحياً وكذلك تشيه غيفارا. وقد وصف أحد كتاب المقالات بعدما زار إيست فيليدج في مانهاتن السفلى هذه المنطقة بأنها مكان يتجمع فيه "الفنانون المنبوذون" و"الزنوج الملتحون“.
عندما كتب جيري روبين أن كارل ماركس كان "المُحرِّض الشيوعي الهيبي الأكثر شهرة في التاريخ"، كان مؤسس حركة الهيبيز يقصد كل كلمة يقولها مدحاً. وقد عنون المؤرخ أنتوني إيسلر دراسة نشرها في 1971 عن الشباب المتمردين بكلمات "قنابل ولحى ومتاريس". أما الشخصيات الرياضية القليلة التي كانت تطلق لحاها ـ وعلى رأسها ريجي جاكسون ـ فقد اعتُبِرت متمردة سياسياً، وبالتالي فهي إشكالية.
وقد تبنى أصحاب العمل القلقون قواعد تحد من شعر الوجه عند الرجال، وفي ذلك الوقت، رضخت المحاكم إلى حد كبير. وسخرت الموسيقى الشعبية من عدم قدرة الملتحين على الحصول على وظائف. ونصح الخبراء الرجال في سوق العمل بنبذ اللحى.
في يناير 1985، وبينما كان الرئيس رونالد ريغان على وشك بدء ولايته الثانية، أحدثت اللجنة الافتتاحية ضجة عندما أعلنت عن مشاركة مؤدين في الاحتفالية من "أنواع جذابة وأنيقة وأميركية". وأصر منتقدوها على أن هذا الوصف كان يُقصد به "البيض". وبعدما ألغت ديانا روس مشاركتها، تراجعت اللجنة موضحة بلغة واشنطن الكلاسيكية أن الإعلان وُضع دون مراجعة من كبار المسؤولين، وأنه لا يمكن أن تكون هناك أي نية تمييزية لأن اللجنة اختارت كثيراً من المؤدين من الأقليات، وأن العبارة المعنية تعني في الواقع "لطيف" و"منفتح".
ولكن النقطة كانت واضحة. وهي أن اللحى ما تزال محظورةً، وليس فقط على فريق يانكيز بقيادة شتاينبرينر.
في 1987، أثناء جلسات الاستماع حول جهود ريغان الرامية إلى تعيين روبرت بورك في المحكمة العليا، طلب السيناتور هاويل هيفلين من المرشح أن يشرح سبب إطلاقه للحيته. ولكي نكون منصفين، اختتم هيفلين الحوار باعتذار صريح ربما: "لا حرج في ذلك لأن هناك الكثير من الناخبين الملتحين الذين لا أريد أن أغضبهم".
وهذا يقودنا إلى اليوم. فوفقاً لأولدستون مور، كان الرجل الذي يفتخر بإطلاق لحيته في أواخر القرن التاسع عشر "متحمساً لقوتها الأخلاقية، وخاصة قدرتها على التعبير عن القوة والسلطة الذكورية". ومنذ ذلك الحين، اكتملت الدائرة. فقد وجدت دراسة في 2015 أن النساء أقل ميلاً إلى التصويت للمرشحين الذكور الذين يربون شواربهم أو لحاهم. على أساس المظهر وحده، كان الساسة الملتحون يُعتبرون أكثر ذكورية ولكنهم أيضاً أقل ميلاً إلى تبني مواقف "نسوية" بشأن قضايا تتراوح من الإجهاض إلى التمييز على أساس الجنس.
يقول علماء الاجتماع إن هناك تحيزاً مستمراً ضد الملتحين من المتقدمين للوظائف. عندما تؤثر سياسات عدم إطلاق اللحى بشكل كبير على الرجال السود واللاتينيين، فإنها غالباً ما تكون غير قانونية. لكن التعاطف القضائي مع المدعين ذوي اللحى الكثّة لم يكن بلا حدود، وتشير أبحاث حديثة إلى أن الرجال الملتحين ما يزالون يواجهون مقاومةً خلال بحثهم عن وظائف، لكنها لا تشتد في جميع المهن.
اللحى في البيت الأبيض، واللحى في العائلة المالكة، واللحى في وول ستريت، واللحى في قطاع التقنية، ونعم، لحى لاعبي فريق يانكيز (وإن كان ذلك متأخراً بعض الشيء). لو لم أكن مدركاً للواقع لظننت أننا ما زلنا في سبعينيات القرن العشرين. لكن الأمر ليس كذلك. إن عصرنا، للأسف، هو عصر أكثر ذكورية وعدوانيةً وغضباً. وآمل ألا يؤدي التعلق الجديد باللحى إلى تفاقم الأمور.
ملاحظة أخيرة. لا أعتقد أنني ذكرت أنني كنت ملتحياً على مرّ عقود. ربما كنت في الكلية أعتبر الشعر الكثيف على الوجه علامة على المعتقدات المتطرفة التي اعتدت على تبنيها، لكن في الوقت الحاضر، لم تعد لحيتي الصغيرة تحمل أي أهمية أيديولوجية. من وقت لآخر، أفكر في حلق لحيتي، لكنني أحجم عن ذلك لسبب بسيط جداً هو أن شكلها يروق لزوجتي، بحسب ما نقلت الشرق بلومبرج.

أخبار مختارة
"أبل" تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر"إيربودز"
السبت، 15 مارس 2025 10:25 ص
الصين تبدأ تدريس الذكاء الاصطناعي لطلاب المدارس
السبت، 15 مارس 2025 09:14 ص
العراق تعلن امتلاكها فائضًا ماليًا يغطي وارداتها لمدة عامين
السبت، 15 مارس 2025 09:12 ص
الإمارات تعلن عن استثمارات جديدة بمنطقة الأهرامات
السبت، 15 مارس 2025 09:10 ص
"علي بابا" الصينية تطلق نموذج ذكاء اصطناعي يتعرف على مشاعر البشر
الخميس، 13 مارس 2025 01:07 م
عجز موازنة أميركا يقفز إلى 1.1 تريليون دولار في خمسة أشهر
الخميس، 13 مارس 2025 01:04 م