محمود طاهر يكتب: المباني الحرارية.. مستقبل إنشاء أبراج سكنية صديقة للبيئة

الثلاثاء، 28 يناير 2025 11:10 ص
المهندس محمود طاهر

المهندس محمود طاهر

share

المشاركة عبر

في الولايات المتحدة الأمريكية؛ طفرة في عالم البناء والتشييد، برج سكني صديق للبيئة ينبيء بتغيرات جزرية في الهندسة المعمارية وتصاميم مباني المستقبل، يقع البرج المسمى “Surf 1515” في جزيرة كوني آيلاند، بمدينة نيويورك، على بعد مسافة قصيرة من الممشى الخشبي الشهير، ويُعدَّ أكبر مشروع للطاقة الحرارية الأرضية في العالم، يتكون المبنى من 16 طابقًا، ويشمل 463 شقة بمساحات مختلفة.

تمَّ تأسيس المبنى على وحدة حرارية أرضية معقدَّة تستغل حرارة الأرض لتدفئة وتبريد المبنى بدلًا من الوقود الأحفوري، مما يساعد على خفض انبعاثات الكربون من المبنى بنسبة 60%، إلى جانب خفض تكاليف المرافق بنسبة تصل إلى 30%، وهو ما تُقدَّر قيمته المالية بحوالي (150 – 450) دولار سنويًا لكل ساكن، ويأتي هذا المبنى متوافقًا مع توجهات مدينة نيويورك التي ينص قانونها المحلي رقم 97، على أن المباني التي تزيد مساحتها عن 25 ألف قدم مربعة يجب أن تخفض انبعاثات الكربون أو تواجه غرامات باهظة.

يعمل العقار من خلال تقنية متطورة للغاية، تتمثل في الاستفادة من الطاقة الموجودة في باطن الأرض وتحويلها إلى وقود يتم استغلاله في تدفئة المبنى في الشتاء، وتبريده صيفًا، ولتبسيط هذه التقنية المعقدَّة الفريدة من نوعها، لك أن تتخيل أن هذا المبنى المُعجزة، يقع أعلى 153 بئرًا، تم حفر كل منها على عمق 499 قدمًا تحت الأرض، تمتلئ هذه الآبار بالأنابيب، وتُشكِل جوهر نظام الطاقة الحرارية الأرضية، وتساعد شبكة من المضخات الحرارية في توزيع المياه عبر النظام، مما يسمح للمبنى بإدارة التدفئة والتبريد بكفاءة، لكن السؤال هنا: هل هذا واقعي؟!

وفقًا لـ "أنتوني تورتورا"، نائب الرئيس الأول والمدير في شركة (LCOR)، الشركة المنفذة لهذه التحفة المعمارية، فإن هذا الأمر حقيقي، وإلا لو كان غير ذلك لما وُجد هذا البرج في الواقع.

 الأرض تحافظ على درجة حرارة ثابتة تبلغ تقريبًا حوالي 12.2 درجة سليزيوس، وفي فصل الصيف، عندما تكون درجة حرارة الأرض أكثر برودة من الهواء فوقها، تطرد المضخات الحرارية الأرضية الحرارة الزائدة من المبنى إلى الأرض، مما يؤدي إلى تبريد المبنى، أما في فصل الشتاء، عندما تكون درجة حرارة الأرض أكثر دفئًا نسبيًا، تستخرج المضخات الحرارة من الأرض وتنقلها إلى المبنى، مما يحافظ على دفء المكان، بل إن الطاقة المستخرجة من الأرض تقوم بتسخين حمام سباحة تمَّ تصميمه في المبنى لتحقيق مزيد من الرفاهية للسكان.

قد يتساءل بعض الذين لم يتعرضوا للصدمة من هول ما يقرأون: هل هذه التقنية المتقدمة تعمل بنفس كفاءة الوقود الأحفوري؟.. قطعًا نعم، بل أفضل بكثير، لكن هذا النظام الفريد استغرق وقت كبير، وعمل شاق للغاية، فوفقًا للشركة المطورة، فإن مهندسي الطاقة الحرارية الأرضية في الشركة استغرقوا حوالي عام كامل في إجراء تحليلات الجدوى لفهم عدد الآبار التي يجب حفرها، ومدى عمق الأرض التي يجب أن تصل إليها، وبشكل عام، مدى جدوى نظام مثل هذا لمبنى بهذا الحجم، على سبيل المثال، كان لابد من تخلل الآبار بأكثر من 600 كومة أساس، الأمر الذي استدعى دراسة نظريات هندسية معقدَّة بشأن مدى قرب هذه العناصر.

يُداعب أذهاننا الآن سؤال، عند التفكير قليلًا نجد أنه ضروري؛ لماذا هذا المبني متواجد في الولايات المتحدة وليس في أيسلندا؟.. فالجميع يعلم أن أيسلندا هي الدولة الأكثر تقدمًا في مجال الطاقة الحرارية الأرضية، لكن حان الوقت الآن لتغيير هذه المعلومة، إذ تنتج الولايات المتحدة حاليًا ما يكفي من الطاقة الحرارية الأرضية لتشغيل حوالي ثلاثة ملايين منزل، وقد يصل العدد إلى 65 مليون منزل بحلول 2050، الأهم من ذلك كله: ماذا عن مصر؟!

كمية الحرارة التي تسري من باطن الأرض إلى سطحها في مصر تبلغ حوالي (10)^21 جول/سنة (31,7 تيراوات). والسبب الرئيسي لسريان هذه الحرارة من باطن الأرض هو ارتفاع درجة الحرارة في مركزها، والتي تُقدر بحوالي 7000 درجة مئوية. الرقم قد يبدو هزيلًا، لكن بالقياس على حداثة هذه التقنية في الغرب، يمكننا القول أن الأمر ليس مستحيلًا.. وقد نرى هذه التقنيات تنفذ فى مصر فى وقت ليس ببعيد.