مارك جونغلوف يكتب: تغير المناخ يعيق نمونا الاقتصادى

تحدث مارك جونغلوف عن ظاهرة الاحتباس الحراري وكيف تخفض دخل العالم بنسبة 19% عن المستوى المفترض بلوغه بحلول عام 2049، وقال..

تخيل أنك تترشح لمنصب "رئيس العالم" ببرنامج انتخابي يتضمن تخفيضاً أبدياً لنمو الاقتصاد بنسبة 20%، ستكون محظوظاً لو أقنعت أسرتك بالتصويت لصالحك. ومع ذلك، تصر البشرية على إدارة الاقتصاد العالمي بالاعتماد على الوقود الأحفوري الذي يتسبب تحديداً في هذا النوع من الأضرار. ولحسن الحظ أن لدينا وقتاً كافياً حتى الآن للتصويت على إزالته قبل أن يتفاقم ضرره.

تشير دراسة جديدة من معهد "بوتسدام" لأبحاث تأثير المناخ إلى أن كمية زيادة حرارة الكوكب التي ينتظر حدوثها فعلاً نتيجة سنوات من ضخ غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، ستؤدي إلى انخفاض الدخل العالمي بنسبة 19% بحلول عام 2049 عن المستوى الذي يفترض بلوغه بدون ظاهرة الاحترار العالمي.

ووفقاً للباحثين، فإن ارتفاع درجات الحرارة سيكون القوة الدافعة الرئيسية وراء هذه الخسائر في الدخل، من خلال تأثيره على الزراعة، والصحة العامة، والإنتاجية وغيرها.

سيكبد ذلك العالم خسائر تصل إلى 38 تريليون دولار كل عام بحلول منتصف القرن، مقارنة مع 6 تريليونات دولار من الاستثمارات يقدر الباحثون أن العالم يحتاجها سنوياً لتحقيق هدف اتفاق باريس للمناخ بالحد من الاحترار العالمي إلى درجتين مئويتين خلال تلك الفترة. وإذا فشلنا في التخفيف من وتيرة ارتفاع الحرارة من خلال الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، فإن الضرر الاقتصادي سيرتفع ليتجاوز 60% من الدخل العالمي بحلول عام 2100.

تراجع النمو للحد من الأضرار
"يتضح اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تكلفة الوقوف مكتوفي الأيدي أعلى كثيراً من تكلفة اتخاذ الإجراءات اللازمة"، وفقاً لما قاله ماكسيميليان كوتز، الذي شارك في وضع الدراسة، في مقابلة.

تقديرات الدراسة للأضرار تتجاوز كثيراً تقديرات الدراسات السابقة، وهي نتيجة يعزوها كوتز إلى منهجية مجموعته، التي وصفها بأنها "محافظة". وبغض النظر عن ذلك، فإن الاتجاه واضح ومتسق.

إن مفهوم "تراجع النمو" يعني إبطاء الناتج الاقتصادي للحد من الإضرار بالبيئة. وما يفعله الوقود الأحفوري بالعالم ليس تراجعاً تاماً للنمو، فمعظم الاقتصادات ستواصل التوسع مع تغير المناخ، مدفوعة جزئياً بالوقود الأحفوري نفسه. غير أنها لن تكون في حالة جيدة تقترب مما كانت ستؤول إليها بدون ظاهرة الاحتباس الحراري. أطلق على ذلك اسم "توقف النمو" الذي اعتادت والدتك أن تحذرك من الإصابة به بسبب تدخين السجائر.

تصر شركات الوقود الأحفوري والراغبون في استمرار صرف شيكات التبرعات السياسية على أن الاقتصادات لا يمكن أن تزدهر بدون المصادر الملوثة. وغالباً ما يزعمون أن هذا صحيح في البلاد النامية على وجه الخصوص، التي تنضم متأخرة إلى حفل بدأ منذ فترة طويلة في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان المتقدمة. وتزعم هذه الطريقة في التفكير أن هذه البلدان ذات الدخل المنخفض ستحتاج إلى استخدام الوقود الذي لطالما كان رخيصاً ووفيراً حتى تلحق بركب العالم المتقدم.

صافي الانبعاثات الصفري
على سبيل المثال، انتقلت شركة "إكسون موبيل" من إنكار وجود تغيرات مناخية إلى الإصرار على أن البلدان لا ينبغي لها أن تخاطر بالمعاناة من "فقر الطاقة" بسبب الاندفاع بسرعة بالغة إلى مصادر الطاقة المتجددة. كما زعمت أن الشعوب لن تتقبل "التدهور في مستوى المعيشة العالمي"، حيث تزعم أن تحقيق هدف صافي انبعاثات الكربون الصفري بحلول عام 2050 يتطلب ذلك.

بطبيعة الحال تروج شركة "إكسون" وأقرانها لمصالحها، فكما كتب زميلي في "بلومبرغ أوبينيون" ليام دينينغ، تعتمد هذه الشركات على الطلب المستقبلي من الدول النامية، التي تتجه إلى أن تكون أكثر استهلاكاً للطاقة من الدول المتقدمة.

لكن لا شيء يقود الطلب على الوقود الأحفوري تماماً مثل النمو الاقتصادي. وكما تشير دراسة معهد "بوتسدام"، فإن تأثيرات تغير المناخ ستطال البلدان ذات الدخل المنخفض أكثر من غيرها، ما يؤدي إلى انخفاض دخلها بأكثر من 30% في الحالات القصوى.

وينبغي أن يتبع طلب هذه البلدان على الطاقة نفس الاتجاه. ويشير كوتز إلى أن بعض البلدان النامية ستظل تحرق الكثير من الوقود في محاولة للتكيف مع درجات الحرارة المرتفعة والتقلبات الشديدة في درجات الحرارة وهطول الأمطار. لكنها ستضطر إلى تشغيل الكثير من مكيفات الهواء تعويضاً عن خسائر بنسبة 30% للناتج المحلي الإجمالي.

تداعيات سلبية وظلم صارخ
لعل هذا التأثير سيحد من الطلب على الطاقة وانبعاثات الكربون في الدول النامية، ما يحد من ظاهرة الاحتباس الحراري في العالم. لكن لذلك جوانب إيجابية ضئيلة وسط مجموعة من التداعيات السلبية والظلم الصارخ والمستمر المتمثل في تغير المناخ الذي يحدث بالفعل: فأقل البلدان تسبباً في المشكلة هي الأكثر معاناة من تبعاتها. فقد شهدت الدول النامية بدءاً من أفغانستان وصولاً إلى إندونيسيا فيضانات مميتة خلال الأسابيع الماضية. كما ارتفعت احتمالات موجات الجفاف المعتادة في بعض دول أفريقيا 100 مرة بسبب ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.2 درجة مئوية التي شهدناها حتى الآن، وفقاً لمجموعة "وورلد ويذر أتريبيوشن" (World Weather Attribution) غير الربحية.

كل ما سبق يبدو وكأنه أخبار سيئة، وبالفعل هو كذلك. حيث يضيف إلى هذا النوع من العناوين القاتمة المتعلقة بالمناخ والمحملة بالكوارث والأرقام المخيفة، والتي قد تؤدي إلى تخدير العقل وبث اليأس لدرجة تدفع الناس إلى عدم الاكتراث وطهي برغر بالجبن على شواية الفحم، وتجاهل الأمر برمته.

بيد أن الأخبار التي تدعو للتفاؤل في تقرير "بوتسدام" هو أننا لا نزال نمتلك القدرة على تجنب المعاناة الإنسانية والدمار الاقتصادي الأسوأ بكثير خلال العقود القادمة. إن الحد من الاحترار إلى درجتين مئويتين (أو حتى أقل، إذا استطعنا ذلك) لن يجعلنا أكثر أماناً وسلامة فحسب، بل أكثر ثراء، بحسب الشرق بلومبرج.