ليونيل لورينت يكتب: بوتين وترمب يجبران أوروبا على إعادة النظر بالصناعة الدفاعية

الأحد، 24 مارس 2024 01:15 م
الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترمب والرئيس الروسى فلادمير بوتين

الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترمب والرئيس الروسى فلادمير بوتين

share

المشاركة عبر

تحدث ليونيل لورينت عن عالم الحروب التى لا تنتهى، وأنه بعد سنوات من خفض الاستثمار في الصناعات الدفاعية، حان الوقت لتستعد أوروبا لمستقبل تسوده المخاطر، وقال..


فيما يستهل رئيس روسيا فلاديمير بوتين ولايته الخامسة ويلوح في أفق الولايات المتحدة احتمال عودة دونالد ترمب رئساً، تبرز الحاجة لأن تغير أوروبا عقليتها في عالم تسوده المخاطر بعدما مر 25 عاماً من خفض الاستثمارات في قطاع الدفاع.

يُتوقع أن يرتفع الإنفاق العسكري بواقع 33 مليار دولار هذا العام فيما تسعى القارة التي تعتمد بشكل أساسي على القوة الناعمة للتعويض عن الوقت الضائع. وكانت اليونان، وهي دولة سياحية بامتياز ليست غريبة عن التوترات الجيوسياسية أو تخفيضات الميزانية، قد زادت إنفاقها الدفاعي إلى 4% من الناتج الإجمالي المحلي في 2022.

إلا أن اليونان تجسيد لتحدٍّ آخر مقلق تواجهه الصناعة الدفاعية في أوروبا، وهو الابتكار. لقد جمعت الشركة اليونانية الناشئة "لامبدا أوتوماتا" (Lambda Automata)، التي أسسها خبير الروبوتات السابق في "أبل" ديميتريوس كوتاس، 6 ملايين يورو (6.5 مليون دولار) العام الماضي ضمن موجة جديدة من شركات أوروبية ناشئة دخلت قطاع التقنية الدفاعية على أمل تكرار نجاح شركة إيلون ماسك "سبيس إكس" أو شركة "بلانتير تكنولوجيز" (Palantir Technologies).

وقد أبلغني كوتاس أن المنتج الأساسي لشركة "لامبدا"، وهو أبراج مراقبة ذاتية التشغيل، هو مثال على قدرة الشركات الناشئة على "تحقيق الكثير انطلاقاً من القليل" في عالم يمكن أن يشكل فيه عتاد زهيد الثمن نسبياً خطراً كبيراً على الأمن الأوروبي.

تهديد المسيرات الرخيصة
قد لا تبدو التجارب التقنية على نمط وادي السيليكون مناسبة في ظل التركيز على الاحتياجات الإنتاجية التي تفرضها الحروب الضارية حالياً، فيما تعزز المصانع التقليدية جهودها لمد الجبهة الأوكرانية بالذخيرة. لكن الحقيقة أن طبيعة الحروب قد تغيرت، وأوروبا تواجه خطر التخلف في السباق.

تقدّم الهجمات المتكررة التي تشنها مسيراتفي البحر الأحمر درساً عن الحروب غير المتكافئة، إذ يتطلب التصدي لمسيّرة لا تتجاوز تكلفتها 2000 دولار صواريخ يبلغ ثمن واحدها مليون دولار. وبرغم الخبرة الأوروبية في مجال الصواريخ، فإنها أخفقت في ريادة قطاع المسيرات، حيث أتت هذه المشاريع متأخرة أو أنها تخطت الميزانيات المحددة لها، ومنها ما أخفق في أن ينتج.

كان تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي أشار إلى مشاكل أعمق من خفض الإنفاق أو تغير المتطلبات العسكرية، فقد تطرق إلى وجود مقاومة من الداخل، وتنافس بين كبار الموردين الدفاعيين، ونقص في التخطيط الاستراتيجي، وقد أدى ذلك إلى زيادة الاعتماد على موردين من خارج أوروبا.

كما أسهم الذكاء الاصطناعي في تغيير سرعة ما يسميه كريستيان بروس، كبير المسؤولين الاستراتيجيين في شركة "أندوريل إندوستريز" (Anduril Industries)، "سلسلة القتل" التي تتطلب فهم الوضع القائم واتخاذ القرارات اللازمة وتنفيذها.

مع ذلك، وبرغم زيادة دول الاتحاد الأوروبي من شراء العتاد العسكري، فإن حجم إنفاقها على البحوث والتقنيات الدفاعية في 2022 كان أدنى من مستوى 2021. حتى إن حجم الصندوق الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي أخيراً بغرض تعزيز قطاع الدفاع الذي بلغ 1.5 مليار يورو (1.6 مليار دولار) يعادل جولة التمويل الخامسة لشركة "أندوريل" التي كشفت في ديسمبر عن نظام يدير ذاته لإسقاط المسيرات.

تخلف أوروبا مقارنة بأميركا
تضم وزارة الدفاع الأميركية مسؤولاً كبيراً مكلفاً بالحرب المعتمدة على الخوارزميات وقد طلبت تخصيص تمويل بأكثر من 3 مليارات دولار للأنشطة المتصلة بالذكاء الاصطناعي ضمن ميزانيتها لعام 2024.

إلا أن أوروبا لا تزال متخلفة كثيراً عن الولايات المتحدة على هذا الصعيد. وقد حذر أليساندرو ماروني من المؤسسة البحثية "أي إيه أي" (IAI) من أن القارة ستواجه "تحدياً هائلاً" في حال أدت هيمنة شركات التقنية الكبرى وبيئة الشركات الناشئة المحيطة بها إلى تحديد المعايير التي يتعين على الأوروبيين اتباعها.

مع ذلك، من شأن تعزيز الابتكار المحلي أن يساعد في الحد من اعتماد أوروبا على الدولة الأكثر إنفاقاً على الدفاع، وهي حاجة باتت أكثر إلحاحاً مع احتمال عودة ترمب إلى الرئاسة. بالفعل، أنشأ الاتحاد الأوروبي مركزاً للابتكار فيما تعهدت فرنسا بإنفاق ملياري يورو حتى عام 2030 على خطة ذكاء اصطناعي عسكرية.

لكن الأموال المتوفرة قليلة فيما أن الحواجز التي تعيق التنافس على العقود الدفاعية الكبرى مرتفعة. إن عمليات الشراء عالم من القواعد والمتطلبات المتداخلة، وذلك لسبب وجيه، وتميل فيه الكفة لصالح كبار الموردين والضالعين بالقطاع. أما دورات التطوير فطويلة وعرضة للمخاطر.

قالت شركة "إير ستريت كابيتال" (Air Street Capital) التي تستثمر في "لامبدا أوتوماتا" (Lambda Automata)، إن قيمة العقود التي منحتها وزارة الدفاع البريطانية للشركات الصغيرة إلى المتوسطة في الفترة بين 2021 و2022 توازي 4% من قيمة العقود الممنوحة للمنافسين الأكبر. كما أن أوروبا القارية مجزأة عبر كثير من المجمعات الصناعية العسكرية، حيث تمنح الدعم للصناعات المحلية والتوظيف بطرق لا تعطي دائماً أولوية للكفاءة والتنافسية.

تعزيز التعاون
لا بد من تشجيع الابتكار مع زيادة الميزانيات الدفاعية. قال بول إيريمينكو من شركة "يونيفرسال هيدروجين" (Universal Hydrogen)، وهو مسؤول سابق في "غوغل" سبق أن شغل أيضاً منصب كبير المسؤولين التقنيين في "إيرباص" إن "المال ما هو إلا جزء من المسألة"، وأنه على الدول العمل على بناء مؤهلات مهندسين بارعين وإنشاء مناخ قانوني وتنظيمي مواتٍ وتبني عقلية ريادية.

وعلى صعيد منفصل، يمكن لأوروبا أن تحاكي وحدة الابتكار الدفاعي الأميركي التي تعمل على تسريع تجربة النماذج الأولية وعلى تبني التقنيات التجارية في الجيش، وتشجع على إنشاء مزيد من صناديق الاستثمار في مجال الدفاع، مثل الصندوق الاستحواذي "إيرين" (Eirene) التابع لشركة "واينبرغ كابيتال بارتنرز" (Weinberg Capital Partners). وبما أن الاتحاد الأوروبي يسعى لشراء نصف عتاده من شركات أوروبية بحلول 2030، فإن إنشاء بيئة محلية يبدو بديهياً.

لا شك أن الرأسمال الاستثماري في القطاع الصناعي يأتي بمخاطر خاصة به، فنموذج "حرق المال" لتحقيق فوز كاسح لا ينطبق جيداً في صناعة الدفاع، فمثلاً هامش ربح "أبل" البالغ 25% لا يشبه أبداً هامش ربح شركة "تاليس" (Thales) وهو حوالي 5%. كما يمكن لانتشار التقنيات الجاهزة "مزدوجة الاستخدام" المستعملة لأهداف مدنية وعسكرية أن يؤدي إلى وضع بائس إذا ما بدأت أبراج مراقبة من إنتاج "أدوريل" أو "لامبدا أوتوماتا" تستخدم في سياقات محلية.

إلا أن هذه المخاطر تدعو إلى تعاون وثيق أكثر بين الموردين التقليديين وفروعهم الأصغر والأرشق، مثل شراكة "ساب" (Saab) مع شركة "هيلسينغ" (Helsing) المختصة ببرمجيات الذكاء الاصطناعي. لا شك أن أوروبا بحاجة لتصحيح أخطاء الماضي في مجال الدفاع، بدءاً من نقص الاستثمارات إلى افتقارها لتكامل على امتداد الصناعة الأوروبية، ولكن لم يعد بوسعها تجاهل المسألة أكثر من ذلك.