ديفيد فيكلنج يكتب: الاستخفاف بسيارات الصين الكهربائية يتجاهل دروس الماضى

الأحد، 25 فبراير 2024 12:53 م
مصنع سيارات كهربائية صينية

مصنع سيارات كهربائية صينية

share

المشاركة عبر

تحدث كاتب مقالات الرأى ديفيد فيكلنج عن حماية السيارات الأميركية المستهلكة لكميات كبيرة من الوقود، وكيف أخفقت في السبعينيات وستخفق مجدداً هذه المرة في وجه الصين، وقال..


كانت السيارات اليابانية فيما مضى تعتبر غريبة وطريفة ولن تتمكن من التفوق على عظمة شركتي "فورد موتور" و"جنرال موتورز". واليوم يُنظر إلى السيارات الكهربائية الصينية من المنطلق نفسه.

في عام 1968، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" عنواناً مملاً جاء كما يلي: "سيارة (كورولا) الاقتصادية، تعرضها (تويوتا) هنا"، وذلك كان تقديمها للسوق الأميركية. تلك السيارة أصبحت فيما بعد الأكثر مبيعاً في التاريخ. وبعد أربع سنوات، أشارت مقالة أخرى فاترة إلى أن شركة "هوندا موتور" التي تشتهر "أساساً بالدراجات النارية في الولايات المتحدة" بدأت تبيع سيارات "ضئيلة" رباعية الدفع.

قصة السقوط المدوّي لعملاقات صناعة السيارات الثلاثة أمام المنافسين اليابانيين معروفة جيداً، ولا بد أن تستخلص الشركات التي تستهين بالتهديد التنافسي الصيني منها العبر.

كان مصممو السيارات الأميركية يركزون في السبعينيات على المركبات الضخمة الشرهة للوقود التي تحقق هوامش ربح أفضل لخطوط إنتاج تفتقر للكفاءة في ديترويت، ولم يستوعب قطاع صناعة السيارات في الولايات المتحدة في حينها جاذبية السيارات اليابانية الأرخص والتي تستهلك كميات أقل من الوقود ولا تحتاج إلى كثير من الصيانة، كما أنها تأتي بمميزات لم يكن شراة السيارات المحليون يحصلون عليها دون الدفع مقابل إضافات باهظة.

اختراق السقف
بحلول عام 1981، رضخت اليابان لضغوط سياسية شديدة وقبلت طواعية بتحديد سقف لعدد السيارات التي تصدّرها إلى السوق الأميركية. في المقابل، عملت شركات السيارات الآسيوية على إنشاء علامات تجارية فاخرة تكسبها مزيداً من الأموال مقابل كل مركبة تصدّرها التزاماً بهذا السقف، وأسهم ذلك في ظهور سيارات فاخرة مثل "لكزس" و"إنفينيتي" و"أكورا". في عضون ذلك، بنت هذه الشركات مصانع في الولايات المتحدة، ما أتاح لها بيع سياراتها مع تجنب القيود التجارية. واليوم، حوالي واحد من كل ثلاثة عمال في قطاع السيارات في الولايات المتحدة توظفه شركة يابانية. لكن بقيت الشاحنات الصغيرة التي تحظى بالحماية بموجب رسوم جمركية تبلغ 25% وحدها منيعة في وجه هذه المنافسة.

لا تزال المركبات الكهربائية الصينية نادرة في الولايات المتحدة، مثلما كانت السيارات اليابانية صغيرة الحجم في نهاية ستينيات القرن الماضي، وذلك نظراً للرسوم الجمركية البالغة 27.5% التي فرضتها إدارة ترمب، واستيعابها دون إعلان أن الاستثمارات في المصانع المحلية لن تكون موضع ترحيب.

إلا أن الأمور آخذة في التغير، فقد بدأت شركة "تسلا" العام الماضي بشحن سيارات من مصنعها في شنغهاي لبيعها في كندا. أما في المكسيك فكانت مبيعات السيارات الصينية العاملة على الوقود حوالي خمس مبيعات السيارات في الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي. إذ يبدو أن المستهلكين هناك يحبذون المميزات الفخمة للسيارات الصينية المتوفرة بأسعار أقل، وهو الأمر نفسه الذي صنع جاذبية سيارات "تويوتا" و"هوندا" وداتسون" من "نيسان" حين بدأت في تقديم المقاعد المنفردة وأنظمة التوجيه المعززة وناقلات الحركة الأوتوماتيكية في سياراتها العادية.


حواجز حمائية
قال رئيس "تسلا" التنفيذي إيلون ماسك في اتصال مناقشة الأرباح مع المستثمرين في يناير إن "شركات السيارات الصينية هي شركات السيارات الأكثر تنافسية في العالم... لو لم توضع الحواجز التجارية كان من شأنها أن تكتسح معظم شركات السيارات في العالم".

إلا أن حاجز الحماية هذا ربما يضلل ديترويت بمنحها شعوراً زائفاً بالأمان. فما أشبه اليوم بسبعينيات القرن الماضي لأن هوامش الربح الأعلى على الشاحنات التي تبدأ أسعارها من 60 ألف دولار وما فوق تدفع بالصانعين نحو تسويقها والتوقف عن إنتاج السيارات الصغيرة والرخيصة عالية الكفاءة. إلا أن السيارات الصغيرة التي يبدأ سعرها عند نصف ذلك تقريباً وتلائم الشراة فيما تضيق ميزانياتهم هذه الأيام، هي التي تلقى إقبالاً.

فرصة لدخول السوق
ثمّة فرصة حقيقية للشركات الصينية لتدخل السوق الأميركية من هذه النافذة، هذا إذا ما تمكنت من تجنّب القيود التنظيمية. فقد اكتسبت بعض الطرازات الحديثة مثل "دولفين" من "بي واي دي" و"أورا" من "غريت وول موتور" سمعة واسعة كمركبات حضرية موثوقة تباع مقابل أقل من 30 ألف دولار في أسواق تصدير مثل أستراليا.

يكمن المفتاح إذاً بإيجاد طريقة للالتفاف على الرسوم الجمركية البالغة 27.5%، وهذا لا يُعجز المصدّرين الفطنين، إذ بدأت كبرى شركات السيارات الصينية مثل "بي واي دي" و"سايك موتور" و"شيري أوتوموبيل" تبحث بناء مصانع في المكسيك منذ أشهر، وما كانت لتقوم بمثل هذه الاستثمارات لو لم تضع السوق الأميركية نصب أعينها.

أشارت بلومبرغ نيوز الأسبوع الماضي إلى أن المحامين المختصين بالضرائب يرون أن العلامات التجارية الصينية التي تُصنع في المكسيك قد تتمكّن من الاستفادة حتى من الخصومات الضريبية التي يمنحها الرئيس بايدن للسيارات محلية الصنع إذا ما تمكنت من استبعاد ما يكفي من قطع الغيار الصينية من سلسلة إمداداتها.

إلا أن مثل هذه الخطوات قد تثير حفيظة مؤيدي الحمائية الأميركيين، كما سبق أن فعل توسع السيارات اليابانية، ولكن يضاف إلى ذلك أن المصدّر الآسيوي هذه المرة يعدّ خصماً جيوسياسياً لدوداً وليس حليفاً. ولعل الدليل على ما سيأتي يتمثّل في الخطاب التوجسي الذي يعتبر عشرات آلاف السيارات الكهربائية الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة تهديداً أمنياً أخطر من مئات ملايين الأجهزة الخليوية التي تُصدّر في الاتجاه نفسه.

على الرغم من كل شيء، لن تتمكن ديترويت من الدفاع عن نفسها في وجه صانعي السيارات الكهربائية الصينية إلا إذا طوّرت منتجات قادرة على منافستها وإتاحة هذه السيارات بأسعار أقل. وهذا الدرس الذي أخفقت في تعلّمه حين واجهت المنافسين اليابانيين قبل نصف قرن. السبيل الوحيد للفوز في هذا السباق هو بدء التنافس مع الموجة المقبلة من الواردات الآسيوية، بدل محاولة التقليل من شأنها.