تيموثى إل.أوبراين يكتب: نيويورك تنبذ ترمب الذى أحبها

السبت، 24 فبراير 2024 03:55 م
 الرئيس الأمريكى الأسبق دونالد ترامب

الرئيس الأمريكى الأسبق دونالد ترامب

share

المشاركة عبر

قال كاتب العمود فى بلومبرج مقالاً حول الرئيس الأمريكى الأسبق دونالد ترامب، وقال لطالما اعتبر ترمب نفسه أحد أعلام نيويورك وسعى للقبول بين نخبتها.. لذا لفظها له قد يكون أشد إيلاماً من غرامات فرضتها،، وأضاف..
 


جمع دونالد ترمب ثروته في مدينة نيويورك وفيها بنى إرثه، إلا أنها أقصته وطالبته بالابتعاد لبضعة أعوام، وألزمته بأن يتنازل عن 355 مليون دولار على الأقل قبل ذلك.

لقد فرض أرثر إنغورون، وهو قاضٍ في نيويورك، هذه الغرامة على ترمب، وأصدر قراراً يمنعه من ممارسة النشاط التجاري في الولاية لفترة بموجب حكم نهائي من 92 صفحة أصدره في قضية الاحتيال المدنية التي تقدمت بها النائبة العامة في الولاية ليتيشيا جيمس ضد الرئيس السابق عام 2022.

اتهمت جيمس ترمب حينها بتضخيم قيمة ثروته زوراً ليخدع المقرضين، وقد وافقها القاضي إنغورون في إدعائها.

وفي حين يملك ترمب الأصول اللازمة لتسديد الغرامة، إلا أن ذلك سيضع احتياطاته النقدية تحت كثير من الضغوط. إذ سبق أن صدر حكم بحقه يلزمه بدفع 88.5 مليون دولار للكاتبة إي جاين كارول بعد إدانته باستغلالها جنسياً والتشهير بها.

غرامة طائلة
من شأن تحصيل غرامات لا تقل عن 442.5 مليون دولار من ترمب أن يستنزف ما في خزنته، بغض النظر عن طريقة تسديدها، إذ تقوم معظم ثروته على مجموعة عقارات حضرية يتعذر تسييلها وبعض ملاعب غولف. مع ذلك، ثمّة احتمال أن لديه بضع مئات الملايين من الدولارات نقداً وغيرها من الأصول السائلة، ولكن مع ترمب لا يمكن تأكيد شيء. بموجب الحكم الصادر في نيويورك، سيتعيّن عليه دفع الأموال خلال 30 يوماً أو أن يودعها ككفالة، ما يعني أن العدّ التنازلي قد بدأ.

يمكن لترمب أن يستأنف الحكم، لكنه سيستمر باستشعار تأثيره المؤلم على المدى الطويل بغض النظر عن الطريقة التي تُحلّ بها المسألة. وبرغم أن ترمب سيظل قادراً على الإقامة في نيويورك، إلا أنه يُحظر عليه تشغيل أي عمل تجاري هناك لمدة ثلاث سنوات، وهذه عقوبة أخف بكثير عما أمكن أن يواجهه، إذ كان لدى إنغورون صلاحية إصدار حظر دائم ضد ترمب، لكنه اختار التخفيف.

وقد حُظر على نجلي ترمب الأكبر سناً دون وإيريك مزاولة الأعمال التجارية في نيويورك لفترة أقصر، وحُكم على كل منهما بدفع 4 ملايين دولار، فيما يشرف مراقب معيّن من المحكمة على عمليات مؤسسة ترمب حالياً.

يوجّه ذلك كله ضربة موجعة لترمب الذي طالما تفاخر قبل توليه الرئاسة في 2016 بتقديم نفسه كأحد أعلام مدينة نيويورك وأقطابها الأثرياء.

كانت نيويورك المكان الذي بنى فيه والد ترمب ثروته في القطاع العقاري، مانحاً ابنه سلماً يرتقي عبره في عالم الأعمال، وشبكة أمان حمته من أخطاء كثيرة ارتكبها. اقتحم ترمب آفاقاً جديدة مع دخوله البيت الأبيض، فقد انتقل الرجل من كونه أحد مشاهير التلفزيون، واستوحيت منه شخصية كارتونية من مانهاتن، ليتحوّل إلى شخصية تاريخية عن حق، فقد اتخذ الحزب الجمهوري رهينة له وسمّم الخطاب العام وحاول سحق الديمقراطية. كان كل ذلك مذهلاً.

قبول النخبة
مع ذلك، كانت نيويورك المكان الذي غرست فيه عائلة ترمب جذورها. فمن يمضي وقتاً مع الرئيس السابق ويسأله عن ماضيه، يجد أن لسانه سرعان ما ينطلق بحكايات عن أحياء كوينز وبروكلين ومانهاتن، ولن تدري ما إذا كانت قصصه حقيقية أو محض خيال، كما هو حاله على الدوام. كان شغوفاً بالفرق الرياضية النيويوركية وسياسيها وأقطاب الأعمال فيها ومشاهيرها وخط أفقها، ويعتبر نفسه نيويوركياً بكل ما للكلمة من معنى.

ولطالما تاق ترمب لنيل قبول نخبة المطوّرين العقاريين الذين ازدروه، والخبراء الذين استهزؤوا به. لكنه لم يواجه صعوبة في استقطاب النيويوركيين من ذوي الدخل المحدود، بالأخص في ستاتن أيلند ولونغ أيلند، بما أنه يمثل صورةً ما يحلمون بأن يكونوا على شاكلته لو تسنى لهم أن يربحوا ورقة يانصيب. كان يمثل لهم الحلم الأميركي، فهو يملك شقة ذات ثلاثة طوابق على طراز فندق "سيزر بالاس" وطائرة خاصة طبع عليها اسمه كما تمشي بجواره حسناوتان وله شعر كثيف ولسان سليط.

كان ترمب سعيداً بحبّ العمّال له، فقد بنى ما يملكه في الكازينوهات وكذلك حملته الرئاسية انطلاقاً من فكرة أنه يقدم شيئاً ذا قيمة للمواطنين العاديين، فيما كان بكل بساطة يسرقهم. لقد كان بحاجتهم فتودد إليهم. مع ذلك، ما تاق إليه حقاً كان نيل قبول النخبة. فراح ينسج حكايات حول رغبة كافة مشاهير نيويورك بشراء أحد عقاراته أو استمالة إحدى نسائه أو مرافقته في رحلة على متن طائرته الخاصة، ساعياً ليثبت نفسه على أنه ابن نيويورك المثالي.

وطأة النبذ
لكن دعونا لا نخلط بين آل ترمب والعائلات السياسية الأميركية الأصيلة، مثل آل آدمز أو روزفلت أو كنيدي أو حتى بوش. ولا بينها وبين العائلات المتأصلة في قطاع الأعمال مثل فاندربيلت وروكفيلر وميلون وفورد. فما إرث عائلة ترمب إلا نسخة مقلدة حديثة عن تلك الأساطير. مع ذلك، لا يألو الرجل جهداً في بناء تصوره الخاص لإرثه والطريقة التي ينظر فيها الآخرون له، إذ تبدأ كل هذه السردية من الولاية التي لفظته للتو.

لا بد أن ترمب كان مستعداً لما جرى، فإنغورون سبق أن خلص إلى أن ترمب تصرف بأسلوب احتيالي، والحكم الصادر يوم الجمعة جاء ليحدد حجم العقوبة.

كانت جيمس قد تقدمت بالدعوى ضد الرئيس السابق بموجب قانون مارتن في نيويورك الذي صدر في عشرينيات القرن الماضي، ويسهّل مقاضاة شركات الأوراق المالية المراوغة التي تنهب صغار المستثمرين.

ويمنح هذا القانون المدعين العامين صلاحيات واسعة بملاحقة الشركات النيويوركية المشتبه بارتكابها مخالفات. إلا أن منتقدي قانون مارتن يرون أنه يمنح مكتب النائب العام صلاحيات مفرطة، مع ذلك احترمت محاكم الولاية تقليدياً نطاق هذا القانون، ما يعني أن حظوظ ترمب بإبطال حكم إنغورون في الاستئناف منخفضة.

تخبط ترمب لجمع المال لتسديد غراماته وأتعاب محاميه أمر يحرجه ويزعجه، لكن لا أظن أن هذا الجانب الوحيد الذي سيؤرقه من الحكم. فما سيغضبه، كرجل أعمال على الأقل، هو أن مدينته المشتهاة لم تعد موطنه، لأن نيويورك لا ترغب به، حالياً على الأقل.