كاريشما فاسوانى تكتب: خطة تعزيز سيطرة الصين على هونج كونج أصبحت شبه مكتملة
هونج كونج
تحدثت كاريشما فاسوانى المتخصصة فى الشأن الأسيوى منذ أكثر من عقدين من الزمان عن الخطة الأمنية المقترحة التى ستعزز سيطرة بكين على المدينة وتضر بسمعتها وتؤثر سلباً على الشركات، وجاء فى مقالها..
حظيت هونج كونج يوماً ما بمكانة كواحدة من أكثر المراكز الدولية شهرة على مستوى العالم. ولكن الحكومة الصينية تعمل على تحويلها إلى مدينة أخرى ضمن البر الرئيسي الصيني، وذلك من خلال مقترحات مخطط لها بفرض قانون أمني جديد، ما سيفرض المزيد من سيطرة بكين على المدينة. هذا لن يضرّ الشركات فحسب، بل سيضر السمعة العالمية لهذا المركز المالي أيضاً.
الإحاطة الصحافية التي ألقاها الرئيس التنفيذي للمدينة جون لي حول المشاورة العامة بشأن المادة 23، كانت بمثابة تدريب على السريالية (المزج بين الواقع والخيال). طرح لي باستمرار فكرة مفادها أن المدينة بحاجة إلى ذلك، بالإضافة إلى قانون للأمن القومي، الذي أقرته أعلى هيئة تشريعية في الصين عام 2020، وأقره الرئيس شي جين بينغ من دون طرحه للنقاش العام.
قالت بكين آنذاك إن الإجراءات تهدف إلى إعادة الهدوء إلى شوارع هونج كونج، التي هزتها الاحتجاجات الداعية إلى الديمقراطية. في الواقع، كان الأمر يتعلق بالهيمنة. تقدم حكومة هونج كونج حججاً مماثلة لقانونها الجديد، قائلة إن القانون يهدف إلى الحفاظ على أمن المركز المالي، وجذب المستثمرين. تلك محاولة واهية أخرى من أجل تبرير فرض المزيد من القيود.
انعكاس للماضي
أصبحت هونج كونج بكل المقاييس تعكس الحال التي كانت عليها في السابق، سواء من حيث الحيوية الاقتصادية أو النشاط السياسي. وفي ظل هذه الخطة الجديدة، أصبحت خطة الصين للتحول في المدينة على وشك الإنجاز، والمادة 23 ليست سوى أحدث جزء من الأحجية. تقول الحكومة إن هذا سيجذب الاهتمام والأموال الأجنبية، لكن الاستراتيجية في أفضل الأحوال مخادعة، وفي أسوئها، تمثيلية يأمل المسؤولون أن يقتنع بها مجتمع الأعمال الدولي.
هذا المركز المالي لا يحتاج إلى فرض المزيد من القوانين الأمنية. لكن لي كان مُصِرّاً على القيام بذلك رغم أن المدينة قد تغيّرت كثيراً في السنوات القليلة الماضية.
أثناء تغطيتي لاحتجاجات عام 2019 ضد مشروع قانون تسليم المجرمين الذي لم يلق شعبية آنذاك، أتذكر لقائي بعشرات المتظاهرين الغاضبين والمتحدين في الشوارع. إذا نظرنا إلى تلك الصور اليوم، فمن الصعب أن نصدق أن تلك المشاهد قد حدثت بالفعل. احتمال حدوث أي معارضة كبيرة خلال فترة المشاورة العامة أصبح أقل هذه المرة.
قال تيموثي ماكلوغلين، المؤلف المشارك لكتاب "بين الشجعان"، وهو كتاب حديث يوثق الحركة الديمقراطية الفاشلة الآن في هونج كونج، في إيضاحه لقرار الحكومة إطلاق هذه المشاورة: "رأوا مجالاً للفرص المتاحة أمامهم. لا توجد معارضة في الحكومة، ولا توجد معارضة في مجلس المنطقة، ولن تكون هناك احتجاجات في الشوارع. هذا أمر محسوم".
يشير ماكلوغلين أيضاً إلى التركيز الموسع على التجسس في الوثيقة التي تشير في رأيه إلى الطريقة التي يتعامل بها البر الرئيسي مع أسرار الدولة. أضاف: "هناك بند يبدو أنه يوسع تعريف الشخصية العامة، ويضع خطراً أكبر على أولئك الذين يفصحون عن المعلومات. عليك أن تفترض أن هذا سيثير قلق الناس في ما يتعلق بمشاركة المعلومات التي قد تتوفر لديهم، أو يرغبون في تداولها بشكل أكثر انفتاحاً".
ترويع المستثمرين
لا شك أن الإشارة إلى طريقة تعامل البر الرئيسي مع الأمور على هذا النحو ستروّع المستثمرين، وهذا ينعكس بالفعل على الأسواق.
تعرضت أسهم هونج كونج لضغوط شديدة. يعود بعض ذلك إلى المخاوف بشأن الاقتصاد الصيني، ولكن أيضاً إلى الصعوبات التي تواجه ممارسة الأعمال التجارية في البر الرئيسي كشركة أجنبية.
وفي العام الماضي، خضع المستشارون الأميركيون للاستجواب من قبل السلطات التي لم تكشف عن تفاصيل حول طبيعة هذا التحقيق. واعتُقل أو سُجن أجانب، لأسباب في ظاهرها تشير إلى إفشاء معلومات واستخبارات، وفقاً لوزارة الخارجية الصينية.
يكمن القلق الآن من أن تطبيق هذا التشريع الجديد المقترح، سيحول هونج كونج إلى نسخة من الصين بشكل أكبر. وتشعر الشركات العالمية بالتوتر بالفعل، إذ أفادت نتائج أحدث استطلاع أجرته غرفة التجارة الأميركية في المدينة، بأن "أعضاء الغرفة ما زالوا قلقين بشأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، والصورة الذهنية بشأن هونج كونج في الخارج".
لا شك أن السؤال الصامت الذي يتم طرحه في مجالس الإدارة في جميع أنحاء الجزيرة هو: "كيف نتأكد من عدم الوقوع في مخالفة لهذه اللوائح الجديدة المقترحة، عندما تكون غامضة ومتناقضة إلى هذا الحد؟".
اتساع الخطة الأمنية
قد تكون هذه هي النقطة بالتحديد؛ فكلما كانت الخطة أكثر غموضاً واتسع نطاقها، طالت الحياة العامة والخاصة بشكل أكبر.
هذه الخطوة الأخيرة -بدلاً من جذب الاستثمار- ستؤدي إلى مزيد من الضرر لسمعة المدينة وصورتها التجارية الدولية، كما يقول ويلي لام، زميل بارز في مؤسسة “جيمستاون فاونديشن”، البحثية ومقرها في واشنطن. قال لام: "ما يفعلونه هو تسريع وتيرة انحدار هونغ كونغ. لم تعد المركز المالي الثالث في العالم. الموظفون المغتربون يغادرون، والسكان المحليون كذلك-وإذا لم يغادروا بعد، فإنهم يخططون للخروج منها".
مع رحيل الغربيين من المدينة، يحلّ محلهم محترفون من البر الرئيسي. ومن المرجح أن تكون هونج كونج قد تفوقت على سويسرا كأكبر مركز مالي عبر الحدود على مستوى العالم في العام الماضي، نتيجة لتدفق الثروة من الصين. كل هذا يؤكد كذلك على اعتماد المدينة على الصين، وتحولها إلى مدينة أخرى كجزء من البر الرئيسي. الواقع الجديد في هونج كونج هو الواقع الذي أصبح فيه الانفتاح والشفافية، اللذان كانا في السابق من السمات المميزة لها، الآن صفحة من الماضي ذات لون بني داكن.
الأكثر قراءة
أخبار مختارة
تامر عبد الحميد عن حزمة التسهيلات الضريبية الجديدة: خطوة لتشجيع الاستثمار بمصر
السبت، 14 سبتمبر 2024 10:32 ص
ليزا جيفريس تكتب: "ترند" اللبن "السايب" فى أمريكا يهدد صحة الأطفال؟
الأحد، 18 أغسطس 2024 01:09 م
حمدى رزق يكتب: طوبى لمن يزرعها قمحًا
الأربعاء، 20 مارس 2024 11:54 ص
أحمد أمين مسعود يكتب: رأس الحكمة واستعادة الثقة الغائبة
الإثنين، 04 مارس 2024 01:57 م
كلايف كروك يكتب: وجود منظمة للتجارة تقوم بوظيفتها كما ينبغى أمر ضرورى
الثلاثاء، 27 فبراير 2024 11:30 ص
ميهير شارما يكتب: أولويات الهند الداخلية المعقدة تدفعها للتمرد فى منظمة التجارة العالمية
الثلاثاء، 27 فبراير 2024 11:18 ص